تعوِّل الدبلوماسية الإيرانية على قمة حركة عدم الانحياز، السادسة عشرة، التي افتتحت أعمالها التمهيدية في طهران، الكثير وخصوصاً في الملفات الشائكة كالبرنامج النووي الإيراني الذي أثار حولها عقوبات اقتصادية تركت آثارها على البلاد بمجملها، والأزمة السورية التي تسعى طهران لحشد موقف داعم لموقفها الذي يرى أن أمن سورية من أمن إيران. وفوق هذا وذاك كسر العزلة الدولية التي تعاني منها الحكومة الإيرانية. ولكن المراهنة على قمة كهذه تعقد كل ثلاثة أعوام، بين أعضائها الـ 120، تدخل في باب التمنيات، ولا سيما أن قرارات القمة ليست ملزمة، كما أن الدول الأعضاء لديها مصالح متناقضة ومن الصعب أن تضحي بالمصالح المباشرة مع الولايات المتحدة ودول الغرب عموماً، للخروج بموقف يتطابق مع سياسات حكومة الرئيس أحمدي نجاد الذي يحرص على تصوير انعقاد القمة في طهران نصراً ينبغي استغلاله حتى النهاية.
مفاجأة الرئيس المصري الإيرانية
طهران رأت في مشاركة مصر، بوفد رفيع المستوى بقيادة الرئيس محمد مرسي، صفعة للولايات المتحدة ولإسرائيل، وأيضاً للمحور العربي الخليجي التي تتهمه إيران ودمشق، على حد سواء، بدعم المعارضة السورية بالمال والسلاح لتقوم الأخيرة بحرب بالوكالة على سورية التي تربطها بإيران علاقات وثيقة منذ ثورة الخميني والإطاحة بالشاه. لكن المقربين من الرئيس مرسي قالوا إن زيارة طهران، وإن كانت تعيد مياهاً كانت مقطوعة بين البلدين منذ العام 1979، إلا أنها لا تعني أن ذلك سيتم على حساب الدول التي تربطها بمصر علاقات وثيقة في إشارة إلى دول الخليج العربي التي تشعر بالقلق من الملف النووي الإيراني، ومن التدخلات الإيرانية في البحرين واليمن، واستمرار احتلالها لجزر الإمارات الثلاث.
ويلاحظ هنا أن الرئيس مرسي يبدو متحللاً من آثار ماضي العلاقة المتوترة بين بلاده وطهران، ولكن ذلك لا يعني أنه يأتي لحضور القمة ليصفق. وفي هذا السياق جاء تصريح السفير عمرو رمضان، نائب مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون عدم الانحياز والتعاون الإسلامي، واضحاً، حين قال في تصريحات صحفية إنه يجب النظر إلى القمة المقررة يوم الخميس المقبل في العاصمة الإيرانية على أنها محفل مهم يمثل 120 دولة، وهي ثاني أكبر تجمع بعد الأمم المتحدة، مؤكداً أن "النظر إلى عقده في طهران باعتباره دعماً للجمهورية الإسلامية الإيرانية أمر غير وارد".
محفل لم تشهده طهران من قبل
ومن بين الدول الأعضاء الـ 118، شاركت في الاجتماعات التمهيدية وفود من 100 دولة، وحسب ما أعلنه المتحدث باسم أمانة القمة الـ16، محمد رضا فرقاني، لوكالة أنباء "فارس" فإن 41 دولة ستشارك بأعلى المستويات في الاجتماع من بينها 35 دولة على مستوى رئيس الجمهورية و5 دول على مستوى نائب رئيس الجمهورية وبلد واحد على مستوى رئيس البرلمان في قمة طهران. وأوضح أن "21 دولة ستشارك على مستوى وزراء خارجية و5 دول على مستوى المبعوث الخاص من قبل رئيس الجمهورية ودولتان على مستوى وزير ولكن غير وزير الخارجية»، مشيراً إلى أن ثمة نواباَ ووزراء ومساعدين ومدراء عامين وسفراء دول سيشاركون في اجتماع القمة"، بالإضافة لمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، والذي سيحضر على الرغم من معارضة الولايات المتحدة وإسرائيل لذلك، حيث حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، من أنه سيرتكب "خطأً كبيراً" في حال حضوره القمة.
ومن دون شك فإن هذا الحشد الكبير لم تعرفه طهران من قبل، ومن هنا يمكن تفسير الحماسة الإيرانية لاجتماع هذا المحفل الدولي على أرضيها. ولكن المراقبين يقولون إن الحماسة سرعان ما ستتلاشى حين يعود الحشد، كل إلى بلاده تاركين الرئاسة الدورية لحركة عدم الانحياز على مدار ثلاث سنوات لطهران المهددة بضرب منشآتها النووية ولعقوبات ما فتئت الدبلوماسية الإيرانية تردد أنها أحادية وظالمة لكون برنامجها سلمي الطابع ولا يهدد أحداً.
بهجة ستزول بعد رحيل الضيوف
ويطيب لبعض المهتمين بالشأن الإيراني تشبيه قمة طهران القادمة بقمة بغداد العربية في آذار المنصرم والتي أمل المسؤولون العراقيون أن تفك عزلتهم العربية، وإعادة ربط العراق بمحيطه العربي، لكن ذلك تلاشى مع انفضاض القمة، حيث تبدو قيادة العراق للقمة العربية مجرد روتين تمليه قوانين الجامعة العربية.
وفي الحق فإن ما تطلبه طهران من القمة المنعقدة على أراضيها أكبر من إمكانيات وقدرة الدول الحاضرة، فما الذي تستطيعه كوريا الشمالية أو كوبا أن تقدما لطهران وهما يشكوان مثلها من حصار خانق. كما أن طهران تطلب إصلاح الأمم المتحدة لتواكب التطورات العالمية المعاصرة وهو أمر يبدو الخوض فيه نوعاً من العبث.
من يصلح حركة عدم الانحياز؟!..
وإذا كانت طهران تطالب بإصلاح الأمم المتحدة، فإن بعض المراقبين يرون أن من الأجدى إجراء نقاش معمق وجدي لإصلاح حركة عدم الانحياز نفسها في ظل غياب فعاليتها، واعتبار البعض لها فولكلوراً من زمن ماض، كان العالم فيه قد انقسم بعد الحرب العالمية الثانية إلى حلفي وارشو والناتو، لكن العالم تغير الآن وباتت تحكمه الآن سياسات وأحلاف جديدة عمادها المصالح الوطنية لا سياسة النأي بالنفس عن التكتلات الكبرى التي باتت سمة منشودة في عصرنا الراهن.
ولعل دعوة طهران اليوم، على لسان دبلوماسييها، للعودة إلى المبادئ التي انطلقت منها فكرة تأسيس الحركة كتأييد حق تقرير المصير، والاستقلال الوطني، والسيادة والسلامة الإقليمية للدول، وابتعاد دول الحركة عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى، ورفض استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وتدعيم الأمم المتحدة، فيها الكثير من القفز فوق واقع الحركة التي خسرت كثيراً بعدما استنفدت الأغراض التي أنشئت من أجلها. وقد كان لها دور كبير في مساعدة كثير من البلدان على نيل استقلالها، لكنها لم تستطع استثمار انجازاتها لخلق منظومة مصالح تجمع بين دولها، لا يكون قوامه الأساس سياسة الحياد بل الصناعة والتجارة والتكنولوجيا المتطورة.
خلافات عميقة بين الدول غير المنحازة
ولعل الوصول إلى هذا ضرب من المحال نظراً للخلافات العميقة التي برزت بين الدول الأعضاء في الحركة خلال سنوات عمرها الخمسين، وبعض تلك الخلافات قادت دولاً أعضاء كالعراق وطهران لحرب دامية استمرت لتسعة أعوام، وتقود اليوم سباق تسلح غير مسبوق بين طهران ومجمل دول الاتحاد الخليجي على خلفية البرنامج النووي، ومطامع إيرانية يرى الخليجيون أن طهران لا تكف عن تذكيرهم بها سواء عبر الإعلان عن تسمية الخليج الفارسي، أو عبر اعتبار البحرين المحافظة الـ 18 بين المحافظات الإيرانية وهو أمر لن يقبله الخليجيون بسهولة، ولهذا فهم يأتون إلى القمة بتمثيل ضعيف.
دفعة دبلوماسية ولكن...
من المؤكد أن التمثيل المتوقع للقمة يثلج صدور منظمي قمة عدم الإنحياز في طهران الساعية إلى التأكيد على فشل مساعي الولايات المتحدة والغرب لعزلها. وتبادر طهران إلى خطب ودّ الرئيس المصري مرسي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عبر الاقتراح بتنظيم زيارات إلى منشآتها النووية. وتظهر مشاركة هاتين الشخصيتين على أنه انتصار.
عمليا يمكن ان يتضمن البيان الختامي عبارات من باب التأكيد على حق إيران في الحصول على التقنيات النووية للاستخدام السلمي، وشجب الاحتلال الإسرائيلي، وديباجة حول ضرورة التصدي للتحديات وتعزيز التعاون. لكن نقطة الخلاف الرئيسية تكمن في الموقف من الأزمة السورية إذ لا تشاطر معظم بلدان المنظمة طهران رؤيتها لحل الأزمة وتجد بعضها أن إيران جزء من المشكلة لا الحل. والأهم أيضا أن دول عدم الانحياز باتت منحازة في الشأن الإيراني فضلا عن أنه ليس بوسعها الكثير مما تفعله في مواجهة الولايات المتحدة والغرب في حال اتخاذ قرار مهاجمة المشروع النووي الإيراني.
سامر الياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وإدارة الموقع غير مسؤولة عن فحواها)
الإثنين يونيو 16, 2014 12:59 pm من طرف sphinxcompany
» يد "الفراعنة" تواجه المجر فى افتتاح مشوار المونديال باسبانيا
السبت يناير 12, 2013 2:42 pm من طرف aligendor
» بعد المشاركة في اعتزال الشريدة..الأهلى في مكة لأداء العمرة
السبت يناير 12, 2013 2:38 pm من طرف aligendor
» خالد علي : الحوار المجتمعى هو الطريق الوحيد للوصول الى العدالة الاجتماعية
السبت يناير 12, 2013 2:32 pm من طرف aligendor
» تشريعية الشورى توافق على" العتبة الانتخابية" في قانون الانتخابات
السبت يناير 12, 2013 2:31 pm من طرف aligendor
» مقتل 7 على يد قوات النظام وقصف محيط مطار منغ العسكرى بحلب
السبت يناير 12, 2013 2:29 pm من طرف aligendor
» حسان: الصكوك الإسلامية ستجلب لمصر 200 مليار دولار
السبت يناير 12, 2013 2:28 pm من طرف aligendor
» تظاهرات دعم للمالكي واخرى تطالب برحيله في العراق
السبت يناير 12, 2013 2:27 pm من طرف aligendor
» برهامي ينفي مطالبته بوجود جماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
السبت يناير 12, 2013 2:26 pm من طرف aligendor
» شاهين يقترح استثناء المعتقل سياسيا من شرط التجنيد لخوض الانتخابات
السبت يناير 12, 2013 2:25 pm من طرف aligendor
» جبهة الإنقاذ تطالب بضمانات لنزاهة الانتخابات البرلمانية
السبت يناير 12, 2013 2:24 pm من طرف aligendor
» النيابة العامة تنفي تعرض النائب العام لمحاولة إغتيال
السبت يناير 12, 2013 2:23 pm من طرف aligendor
» الترقوة تجبر شارابوفا على الانسحاب من بطولة بريسبين
الثلاثاء يناير 01, 2013 6:33 pm من طرف aligendor
» الزمالك يلاقي مونشنجلادباخ بدبي في أولى مبارياته الخارجية تحضيراً للدوري لاعبو الزمالك - صورة أرشيفية 06:00 م 1 يناير 2013 كتب - هاني عز الدين: تقرر أن يلتقي فريق الزمالك ودياً مع نظيره الألماني بورسيا مونشنجلادباخ في الحادي ع
الثلاثاء يناير 01, 2013 6:31 pm من طرف aligendor
» خاص.. فييرا يطلب مهاجم وصانع لعب وظهير أيمن تحضيراً للموسم الجديد
الثلاثاء يناير 01, 2013 6:30 pm من طرف aligendor